تم نشر هذا المقال في موقع المجمع القانوني الليبي بتاريخ 2025.11.01 ( الرابط الأصلي للمقال )
التشريعات البحرية ركيزة أساسية في بناء المنظومة القانونية للدول الساحلية، إذ تشكل الإطار الذي تنظم من خلاله الدولة أنشطتها البحرية وممارسة سيادتها على مياهها الإقليمية ومناطقها الاقتصادية. وفي ظل تزايد أهمية البحار كمصدر للثروات الطبيعية ووسيلة رئيسية للنقل والتجارة الدولية أضحت القوانين البحرية تمثل عنصراً محوريا لضمان الأمن والسلامة وحماية البيئة البحرية، ناهيك عن دعم التنمية الاقتصادية المستدامة .
مكونات المنظومة التشريعية
وتتألف المنظومة التشريعية البحرية من مجموعة القوانين الوطنية التي تنظم الملاحة، تسجيل السفن، عقود النقل البحري، حقوق البحارة، وإدارة الموانئ، بالإضافة إلى القواعد المتعلقة بالسلامة ومنع التلوث. كما تمتد هذه المنظومة لتشمل القوانين السيادية التي تحدد نطاق المياه الإقليمية والمنطقة الاقتصادية الخالصة والجرف القاري، بما يضمن للدولة ممارسة حقوقها البحرية وفقاً للقانون الدولي.
دور الاتفاقيات والمعاهدات الدولية
وكل ذلك ليس بمعزل أو بمنأى عن الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي أرست أسس النظام القانوني البحري الحديث، وعلى سدتها اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار UNCLOS لعام 1982، واتفاقيات المنظمة البحرية الدولية IMO التي تنظم السلامة والتدريب ومنع التلوث والملاحة الآمنة. وتتكامل هذه الاتفاقيات مع التشريعات الوطنية للدول الساحلية لتشكل منظومة موحدة تحقق التوازن بين مصالح الدولة وواجباتها تجاه المجتمع الدولي .
تكشف دراسة القوانين والتشريعات البحرية عن مدى ارتباطها الوثيق بسيادة الدولة وأمنها البحري، وتبرز دورها في تنظيم الأنشطة الاقتصادية، وضمان حقوق الأطراف العاملة في المجال البحري، وتعزيز التعاون الدولي في مواجهة التحديات المشتركة التي تفرضها البيئة البحرية.
مستويات التشريع: الوطني والدولي
تتفرع التشريعات البحرية في الدول الساحلية إلى مستويين رئيسيين الوطني والدولي، ليشكل كل منهما جزءاً لا يتجزأ من المنظومة القانونية التي تحكم العلاقة بين الدولة والبحر. فعلى المستوى الوطني، تتولى الدولة من القوانين المنظمة لشؤون الملاحة البحرية، وتسجيل السفن وتنظيم عقود النقل والعمل البحري، وإدارة الموانئ، إلى جانب وضع اللوائح الخاصة بالسلامة البحرية ومنع التلوث وحماية البيئة البحرية. وتعد هذه التشريعات تعبيراً عن السيادة القانونية للدولة في مجالها البحري، وضماناً لحسن استغلال مواردها وثرواتها المائية وفقاً لمصالحها الوطنية.
في حين أنه على المستوى الدولي، تلتزم الدول الساحلية بجملة من الاتفاقيات والمعاهدات التي تضع الإطار القانوني للعلاقات البحرية بين الدول، وأهمها اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار UNCLOS لعام 1982 ، التي حددت بدقة نطاقات السيادة البحرية، والمناطق الاقتصادية، وحقوق المرور البريء والجرف القاري، ومجموعة الأحكام التي تنظم الاستخدام المشترك للبحار والمحيطات. و تنضم الدول الساحلية إلى اتفاقيات المنظمة البحرية الدولية IMO التي تهدف إلى تحقيق أعلى معير السلامة البحرية، وتدريب البحارة، ومنع التلوث، وتسهيل الملاحة الآمنة بين الموانئ.
تكامل المنظومة القانونية
ومن خلال التكامل بين التشريعات الوطنية والاتفاقيات الدولية، تتشكل منظومة قانونية متناغمة تضمن التوازن بين حقوق الدولة الساحلية وسيادتها من جهة، والالتزامات الدولية الرامية إلى تحقيق الأمن والسلامة وحماية البيئة البحرية من جهة أخرى، وهو ما يعكس الطبيعة التشاركية التي تميز القانون البحري في عالمنا المعاصر.
هل تعد أرشفة القوانين والتشريعات البحرية الليبية الكترونيا ضرورة ام خياراً !
ضرورة لتعزيز الكفاءة القانونية
في ظل التطور التقني والتحول الرقمي الذي يشهده العالم المعاصر، باتت أرشفة القوانين والتشريعات البحرية إلكترونياً ضرورة ملحة لتعزيز كفاءة العمل القانوني والإداري في الدول الساحلية. فالأرشفة الرقمية تتيح سهولة الوصول إلى النصوص القانونية والتشريعات البحرية من قبل الجهات القضائية والإدارات الحكومية، والمؤسسات الاقتصادية والملاحية، بما يضمن سرعة اتخاذ القرار ودقة تفسير القوانين وتطبيقها. كما تسهم في حفظ الوثائق القانونية من التلف أو الضياع، وتوفر قاعدة بيانات متكاملة تسهل عمليات البحث والمراجعة والتحديث المستمر للتشريعات.
دعم بيئة الاستثمار والشفافية
ومن المنظور الاقتصادي، تدعم الأرشفة الإلكترونية تحسين بيئة الاستثمار البحري عبر تسهيل وصول المستثمرين والشركات البحرية إلى الأطر القانونية المنظمة للنشاط البحري، ما يعزز الشفافية ويحد من النزاعات القانونية تسهم المنصات الرقمية في دعم التشغيل الأمثل للموانئ البحرية والأساطيل البحرية بكفاءة أعلى من خلال تيسير التواصل بين الجهات المعنية وتحديث اللوائح الفنية والتشغيلية في الوقت الفعلي.
خطوة استراتيجية نحو التنمية المستدامة
تعد الأرشفة الإلكترونية خطوة استراتيجية نحو التحول الرقمي في القطاع البحري، إذ تعزز التكامل بين المؤسسات القانونية والإدارية والاقتصادية، وتُسهم في بناء منظومة معلوماتية بحرية متقدمة تدعم الأمن البحري، وتحافظ على سيادة الدولة في مجالها البحري، وتدفع نحو تحقيق التنمية المستدامة القائمة على المعرفة.
إعداد أحمد خليل بريدان (*) رئيس مجلس إدارة الجمعية الليبية للملاحة وعلوم البحار 31 أكتوبر من العام 2025 ميلادي.
( * ) أحمد خليل بريدان هو خبير وباحث ليبي متخصص في النقل الدولي واللوجستيات، وهو حاصل على درجة الماجستير في هذا المجال. وهو مؤلف “كتاب لوجستيات التجارة البحرية” بجزأيه الأول والثاني (2025). كان السيد بريدان عضوًا في اللجنة الفنية بوزارة الاقتصاد التي ساهمت في إعداد القانون التجاري الليبي الحديث الصادر في العام 2010. كما أسس “الجمعية الليبية للملاحة وعلوم البحار” (2025) و”مجموعة العمل حول الاقتصاد الأزرق والموانى الخضراء” (2024).
